فلسفة أم شطط?

ذاعت في الفترة الأخيرة و بشكل ملحوظ في عقول الشباب الأفكار الفلسفية ، و أخذ العديد منهم يروج للفلسفة بطرق شتى و يحث على قراءة كتابات الغرب في هذا المجال ، و شرعت أعداد كبيرة من المراهقين تفلسف كل شيء، و تقرأ بنهم شديد ما أنتجه فلاسفة اليونان و الغرب بشكل عام ، و تشكل من كتاباتهم مبادئها في الدين و الأخلاق و ما شابه..
و لقد وجدت أن هذا الأمر يتطلب منا أن نلقي بكل ضوء دائرتنا عليه لخطورته ، و محاولة كشف الالتباس المقرون فيه و تنبيه الشباب إلى قضايا غيبت عنهم ، و جعلت الكثيرين منهم ينجرف خلف الفلسفة بكل ما تحمله هذه الكلمة

من إيحاءات هلامية وافدة كان للغزو الفكري الدور الأكبر فيها.
إن الفلسفة تعني في اللغة حب الحكمة ، و لقد شاعت في المجتمعات الغربية بفضل فلاسفة اليونان من أمثال أرسطو و أفلاطون ، فهي ليست من العلوم المحدثة ، و قد انتقلت إلى العرب و المسلمين عن طريق التراجم المنقولة من

الغرب حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن..
و لعله كان لا بد من هذه المقدمة حتى تتضح الأمور للقارئ ، و أمهد الطريق حتى لا أصطدم مباشرة بذوي تلك الأفكار الذين لن يعجبهم قولي دون أدنى شك…
لقد نهجت الفلسفة نهجا مغايرا للفطرة السليمة ، و كأنها أصبحت تعني حب التمرد و ليس حب الحكمة ، و تجرأت بشكل فظ حين أخذت تتناول القضايا الغيبية و تتفكر فيها دون قيود أو ضوابط ، و فتحت المجال واسعا للفلاسفة كي

يتبعوا سلطان عقولهم و لا شيء سواه ، و نبذوا كل أخبار السماء ، و حاولوا بعقلياتهم القاصرة التي قدسوها أن ينبشوا جدار الغيب بحثا عن حقيقة الخالق و أصل الكون ، و طبقوا فلسفتهم التي تدعو إلى التفكر و الاستنباط ثم

خرجوا باستنتاجات هزيلة متعفنة مثلما فعل نيتشه حين قال بالعفن الإلهي ، ليرضي غرور عقله و يروي ظمأ هواه..
و أصبح مبدأ الشك الذي نادى به ديكارت منهجا و طابعا للتفكير في كل شيء ، مما أدى بالعقل القاصر إلى دوامة من الحيرة لا نجدة منها ، و بدلا من أن يكون هذا المبدأ باحثا عن الحقيقة ، أصبح كما أثبتت التجربة عاملا رئيسا

في التخبط و الجهل ، و أودى بالكثيرين في متاهات رهيبة نبذتهم عن الدين ، و أصبحت العودة إليه صعبة للغاية..
لقد أخطأ الفلاسفة كثيرا حينما قالوا بخلود المادة و قدم العالم ، و أن معرفة الله تقتصر على الكليات دون الجزئيات ، و تصدى لهم حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابيه مقاصد الفلاسفة ثم تهافت الفلاسفة ، حيث رد عليهم

بحجج دامغة تسقط نظرياتهم الفارغة و أبطل دعواهم و حاربهم فكريا حتى قيل أنه هزم كل فلاسفة المشرق العربي ، و لم يعد أحد من الناس يستمع إليهم ، حيث أصبح الجميع يخشى هذه الكلمة..
و لم ينخدع الشباب فقط بأفكار الفلاسفة بل حاول فلاسفة العرب أمثال ابن سينا و الفارابي أن يأخذوا منها ، ووافقوا فلاسفة اليونان حين قالوا بأن العالم قديم و نسوا أن العالم حادث قد أوجده الله و حاولوا أن يوفقوا بين فلسفة

الغرب و بين الفلسفة الإسلامية ، و هذا لا يتأتى بأي حال من الأحوال ، فكيف يمكن التوفيق بين مبادئ وضعية من فعل المخلوق ، و مبادئ إلهية من إبداع الخالق؟كيف؟
و العجيب أنني التقيت بالعديد من المراهقين يحدثونني مبهورين عن كتاب في الفلسفة وضعه أحد أصحاب النظرية الوجودية ، أو عن فيلسوف غربي أبدع على حد قولهم في التفسير المادي للتاريخ ، و تراهم مسلّمين بما سممت به

عقولهم الناشئة من أفكار فتاكة دون تدبر أو محاولة لاستطلاع رأي علماء الدين الذي يدينون به ، و لم يكتفوا بهذا بل وجهت إلي أسئلة من ذلك النوع الذي يتجاوز الخطوط الحمراء تسأل عن أصل الخالق و القضاء و القدر و سبب

تعدد الأديان و لماذا و كيف و متى و …..؟؟؟و يقولون على الله الكذب و أكثرهم جاهلون ، و كان يكفيهم أن يتدبروا قول الله عز و جل “يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم” و يتقوا بذلك فتنة تكاد

تطيح بدينهم و معتقدهم..
إن هذا الأمر يحتاج قبل كل هذا إلى الرجوع إلى الدين ، و فهمه الفهم الصحيح ، و التسلح بأصوله و تعاليمه ضد كل فكر وافد ، حتى يتجنب المرء من المتاعب و الفتن ما قد يودي بعقله إلى الإلحاد في النهاية و العياذ بالله..
و ليعلم السائل أن للخالق حكمة في كل شيء ، و لا يجوز له و هو المخلوق أن يجادل في قضايا تخص العقيدة ، و يأخذ بها على أنها مسلمات لا يجوز لعقله القاصر أن يكون له مجال للتفكر فيها و محاولة إدراكها و طرح أفكار

من صنع هواه ، فليس العقل وحده وسيلة للإدراك ، و مع أن حرية الفكر قد كفلها الدين إلا أنه أقام لها ضوابط تقيدها ، فلا يجوز لبشر أيا كان أن ينتهكها بالمس في المعتقد و بمبادئ الدين السوي ..
و لا يجوز لنا أن نكون مسلمين جزئيا نطبق من الشريعة ما يتمشى و أهواءنا ، و نسقط عن أنفسنا ما يحقق التوازن و الطمأنينة في حياتنا ، و نكون كالذين قال الله فيهم “أتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض” ، فالإسلام شامل

جامع لم يترك صغيرة و لا كبيرة إلا ووضع لها قوانين تضبطها ، فحريّ بنا أن نقف و أنفسنا وقفة صريحة معاتبة ، و لنتأكد أن الإسلام الذي ندين به لم ينتقل إلينا وراثة و لكن عن اقتناع و فهم كاملين لما أتى به من مبادئ و

تشريعات و منهج حياة .
و كان بودي أن أضيف المزيد ، و لكن أعتقد أن ما ذكر يكفي كي لا نتبع السبل و نعيد النظر في أنفسنا و مبادئنا و معتقداتنا بعيدا عن التعصب الأعمى لأفكار وضعية قابلة للخطأ و الصواب ، و لتعتبرها عزيزي القارئ دعوة

مفتوحة نحو تصحيح الذات بمنأى عن الأهواء و اللذات ، و إنني أعلم بأن البعض سيستجيب إليها و يذر الآخرين يتخبطون في عنادهم و غرورهم غير المبرر على الإطلاق .أرجو من الله جل و علا أن أكون قد وفقت في طرح

هذه القضية الخطيرة و إن كانت تحتاج إلى مقالات و مقالات ، و أن يعلم المرء أن ثمة جواب واحد إذا طرح هذا السؤال : أهي حقا فلسفة أم شطط؟؟

1 فكرة عن “فلسفة أم شطط?”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top