طالعنا في الصحف المحلية منذ وقت يسير نقلا عن وكالة أنباء عربية خبرا يتعلق بمشروع قدمته الحكومة الأمريكية للدول العربية لإلغاء التعليم الديني بحجة أنه يمثل مركزا و دافعا للإرهاب، و قد يبدو الخبر بسيطا إذا ما اكتفى المرء بقراءة هذه السطور، و لكن العجب العجاب يكمن في ما ذيل به الخبر من أن حكومات الدول العربية تقوم بدارسة المشروع بكل عناية و جدية..
و قد وجدت بهذه المقدمة مدخلا مناسبا لموضوع حيوي كنت بصدد تناوله في أعداد سابقة، و ها هي الفرصة مواتية للإبحار في ثناياه و استقراء خباياه..
لقد لعب الاستعمار و الاستشراق دورا خطيرا في إعادة صياغة المنهجية السليمة التي صبغ بها الفكر الإسلامي، و مارسا شتى الوسائل و السبل لبناء حائط منيع بين المسلم و دينه الذي يدين به بشمول هذا الدين، و كان من أبرز هذه الوسائل النفوذ داخل مؤسسات الدول التعليمية، و بناء استيراتيجيات متكاملة تقوم على أساس تهميش المناهج الإسلامية عن طريق عدم احتسابها ضمن المعدل النهائي للطالب، و تعيين غير المتخصصين لتدريسها، إلى آخره.. و الذي أثر مع تراكمه بصورة خطيرة على الثوابت العقائدية، و أدى إلى اهتراء الكثير من المفاهيم الدينية في عقول الناس..
و العجيب في الأمر أنه و رغم وضوح تلك المؤامرات و سهولة تخمين مراميها، ما زال المسلمون مسلّمين بالأمر الواقع ، و كأن الروتين قد أتى حتى على التعليم العالي فأضحى التغيير شيئا من الوهم، فحتى الجامعات الإسلامية المتناثرة في شتى بقاع الأرض تقبل بالطلاب ذوي المعدلات المتدنية في كليات الشريعة و أصول الدين و الدراسات الإسلامية، مع علمها اليقيني بأن هذا السخف في العملية الأكاديمية هو رأس نكبتنا نحن المسلمين و تراجع صحوتنا ..
فكلنا يلاحظ تهافت الطلاب على الكليات العلمية من هندسة و طب، والأدبية مثل كلية الحقوق، حيث يطلب للقبول فيها معدلات عالية، و كم تولى مثل هذه الكليات اهتماما من قبل المؤسسات التعليمية بعكس الكليات الدينية التي تكاد تنسى في خطط و برامج التطوير التي يتم الإشراف عليها..
و من هنا نتساءل: كيف يمكن أن يسري في شرايين ديننا دماء متجددة، ما دامت العملية الأكاديمية بهذه الصورة المقيتة؟!! أيمكن أن يكون هناك مجال للنبوغ و الإبداع، و تدعيم أركان الدين بخريجين ظلموا حين تم قبولهم في تلك الكليات إلا من رحم ربي؟!! ترى سيدفع التلاميذ في المدارس إلى الاهتمام بعلوم دينهم و هم الشاهد الأول على أن الأساتذة في مدارسهم لا يولون هذا الأمر أدنى اهتمام؟!!
إن كنا ما زلنا نياما فمتى سنصحو إذن؟!!