يبدو أن الطريقة التي تدار بها نشاطات الانتفاضة المباركة بحاجة إلى إعادة النظر بالفعل، فالقوى الوطنية والإسلامية الملتفة حول قيادتها بصورة شكلية ما زالت حتى هذه اللحظة تفتقد التخطيط الجيد لاستيراتيجيات الصراع، وقد برز ذلك جليا في سياسة الكر والفر التي أجبرت القوى الوطنية على استخدامها نظرا للضغوط الدولية الرهيبة الممارسة على القيادة في الداخل، والتي اضطرت للضغط على كافة الفصائل لتهدئة الصراع بين حين وآخر..ومن هنا سأنطلق في تحليل ما يجري على بركة الله.
إن هذه المعركة التي يخوضها شعب فلسطين لوحده لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقبل بولوج ساحتها من قبل أناس ذوي نفس قصير..فالمعركة ليست صراع شهر أو سنة..وإنما صراع عقود وعقود..
فعلى الرغم من الخسارات الفادحة التي يتكبدها الجسد الفلسطيني كل يوم في الأرواح والممتلكات، إلا أنه بالمقابل قد حقق انتصارات آنية تمثلت في زعزعة الاستقرار الداخلي في الدولة العبرية، وتكبيدها خسائر فاقت الثلاث مليارات ونصف المليار دولار خلال العام الأول من الانتفاضة في كل القطاعات..ولكن المشكلة تكمن في تلك الحالة من اللامبالاة تجاه عامل الزمن..
إن وقف العمليات الاستشهادية والمسلحة في عمق الكيان الصهيوني بين حين وآخر تمشيا مع المستجدات على الساحة السياسية، تتيح للكيان أن يأخذ قسطا من راحة ليضمد جراحه ويعيد ترتيب عدته وعتاده، ويجد الوقت للتركيز في خطط مستقبلية تهدف إلى وأد الانتفاضة من خلال الاغتيالات للقضاء على محركات الانتفاضة، وتدمير الأحياء السكنية بهدف خلق حالة من اليأس والانهزامية في نفوس الفلسطينيين وإجبارهم على التسليم بأي حل يطرح مستقبلا لينقذهم من عذابات المعاناة التي تلحق بهم على مدار الثانية.
إن هذه الحالة أشبه تماما بمن يحاول أن يدق مسمارا في قطعة خشبية سميكة بصورة متقطعة، حيث تستنفذ هذه العملية جهدا ووقتا أكبر حتى يكسر المسمار شوكة الخشب، فالضرب على الحديد وهو ساخن من أهم القواعد التي يفضل دائما العمل بها في مثل هذه مواقف..
لذلك كان حريا بقيادة الانتفاضة أن تنتبه لهذه النقطة، وتوقن أن هذه المعكرة تحتاج إلى نفس طويل وديمومة في عمل المقاومة وتوجيه الضربات الموجعة في العمق الصهيوني دون توقف أو انقطاع، رغم جرها للويلات بحق المستضعفين هنا وهناك والتي لن تتوقف هي الأخرى حتى ولو رفع الجميع الراية البيضاء، وأعتقد أن شعبنا واعٍ بما فيه الكفاية ليتفهم أن لغة التعامل مع عدوه هي هذه اللغة فقط ولا شيء غيرها مما كان يطرح سابقا من عبث على موائد التفاوض..
وأكاد أجزم بأن أيدولوجية بهذه الطريقة في إدارة الانتفاضة تهدف إلى استنزاف الكيان من شأنها أن تحدث داخل الكيان في خلال السنين الثلاث القادمة تهتكا داخل قيادته وانهزامية مريرة في نفوس شعبه، والتي ستنعكس على حجم الضغوط التي سيمارسها الشعب ذاته على قيادات الدولة العبرية لإعطاء الفلسطينيين ما يكبح جماحهم، ويقي بؤسهم.
ويبقى السؤال في هذه الحالة مطروحا، وهو غير موجه لذوي النفوس الضعيفة غير المؤمنة ذات الطبيعة الانهزامية ألا هو:
من هو صاحب النفس الأطول في هذه المعركة الأزلية؟