يبدو أن الكيان الصهيوني قد نجح بالفعل في دفع العالم بأسره إلى النظر من نافذته هو فقط..فحصار عرفات ووضع هالة إعلامية ضخمة للتركيز على وضعه الصحي والنفسي، كان يهدف بالدرجة الأولى إلى صرف الأنظار عن المعاناة التي تقوض معنويات الشعب الفلسطيني بأسره في الضفة وغزة جراء الحصار والتقطيع والتضييق..وجاءت خطوتهم الماكرة في اعتقال البرغوثي محاولة أخرى لصرف نظر المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان عن أكثر من أربعة آلاف أسير تم احتجازهم خلال عملية “التطهير العرقي”، فأصبح الهم الأوحد لدى كافة المعنيين هو تداعيات حصار القيادة الفلسطينية، وأحوال البرغوثي في أسره..ولا شك أن كلتا الخطتين قد أتت أكلها..فالمراقب لنشرات الأخبار عبر القنوات العربية قبل الأجنبية يصطدم بالخبر الأول وهو ظروف حصار القيادة والثاني وضع البرغوثي في معتقله مع مراعاة كافة التفاصيل في ذلك..
إن الإعلام الصهيوني المتغلغل في كافة وكالات الأنباء والإذاعات والفضائيات بلا استثناء يهدف إلى غسل المخ العربي وتخدير ذاكرته للأبد في كل ما يتعلق من مجازر اقترفت وجرائم لا أول لها ولا آخر..وأكبر دليل على ذلك
هو تأقلم الشارع العربي مع سماع خبر استشهاد خمسة أو عشرة أو خمسة عشر فلسطينيا أو أو..والعدد يزداد بين ليلة وضحاها والضمير العربي ميت في الراعي والراعية..وتبلدت المشاعر تجاه مأساة الفلسطينيين بشكل أو بآخر..ومن لا يصدق كلامي..يحاول أن يجرب ويتابع نشرة أخبار..سيجد نفسه بعدها بعشر دقائق على الأكثر يضحك من عمق قلبه على مسلسل هزلي أو فيلم كوميدي تابع لنشرة الأخبار..وقس على ذلك!!
إن سخطي على الإعلام العربي وجب لأنه هو السبب المباشر فيما وصل إليه المجتمع العربي من لامبالاة الشعوب العربية وتكيفها العجيب مع خبر المجازر وصور معاناة الفلسطينيين..وأود لفت الانتباه هنا إلى أن قناة الجزيرة بالذات ليست مستثناة إطلاقا من هذا..لأسباب عديدة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- حتى 30 سبتمبر 2000 كانت الجزيرة في نشراتها الإخبارية عن فلسطين -وأنا مسؤول عن كلامي- لا تذكر كلمة “استشهد كذا” وإنما تقول “قتل كذا” وربما كانت حجتها الواهية في ذلك أنها مستقلة
وحيادية..الله أكبر؟ أوليست عربية ومسلمة الدين والديدن كما يتشدق متفوهوها؟
2- حتى هذه اللحظة ما زالت الجزيرة تستفز مشاعرنا -لمن تبقى عنده شعور- بكتابة اسم اسرائيل على خريطة فلسطين..ليس هذا فحسب وإنما تكتفي بذكر اسم “قطاع غزة” على شكل “البراميسيوم”، و”الضفة
الغربية” على شكل “الأميبا” على خريطة فلسطين..ولا ذكر لاسم فلسطين إطلاقا..هل تنتظر الجزيرة إذن اتفاق السلام الذي تفتي من خلاله اسرائيل بجواز كتابة اسم فلسطين؟ جرب ودقق النظر..لتتحقق
بنفسك..
3-الجزيرة بكل أسف وفرت مساحة واسعة من نشراتها للمتفوهين الصهاينة للزعم والافتراء وخداع المواطن العربي الذي آمن بمصداقية القناة في نشر الصورة الصادقة وأصبح عقله يتشرب ما يبث خلالها دون تفكير..وهنا الطامة الكبرى!!
ولا يغفر للقناة تميز مراسليها ونقلهم الصورة الحية للمجازر أو تخصيص برنامج تحت الحصار كنوع من السبق الصحفي وكسب عيون أخرى لمتابعة القناة..فما بني على باطل، فالنار أولى به..
يود المرء أن يتحدث باستفاضة أكبر ويسخط بصخب أكبر لعل البكم يبرأون من بكمهم..فحسبنا الله ونعم الوكيل..ولك الله يا فلسطين..وما لك سواه.