أيام قليلة تفصلنا عن العرس الديمقراطي في فلسطين، والذي يثير مخاوف عديدة لدى أوساط العوام والمثقفين على السواء، لما يمكن أن يحدث من فوضى في ظل ظاهرة الفلتان الأمني التي أصبح يرددها حتى الأطفال ككلمة دارجة في القاموس المحلي.
ولا تقتصر هذه التخوفات على يوم الانتخابات، بل تمتد بظلالها إلى ما بعد فرز الأصوات وإعلان النتائج، فهناك من يتربص بالقرار الفلسطيني، ولا يأبه للمصلحة الوطنية العليا من أجل ولائه الأعمى لفصيل ما على حساب الوطن، وهناك من يحلم بكرسي في البرلمان، ولا يألو جهدا في استخدام كل الوسائل الممكنة من أجل تحقيق حلمه ظنا منه بأن الغاية تبرر الوسيلة وإن قبحت..
نحن على مشارف مرحلة غاية في الخطورة، خصوصا أن الشعب الفلسطيني منقسم إلى نصفين بين مؤيد ومعارض لأيدولوجيات الفصيلين الأكبر على الساحة فتح وحماس، ولذلك فإن مهمة الحفاظ على الأمن تبدو عسيرة للغاية لدى السلطة الوطنية التي تحاول عبثا تفادي أي صدامات في يوم التصويت، حيث أن الكلمة العليا لقادة الفصائل والعائلات الكبرى في الضفة والقطاع، والذين فرقتهم المصالح والأيدولوجيات، فأصبحت وسائل الإعلام مسرحا لتبادل الاتهامات هنا وهناك من أجل تشويه صور المتنافسين لضمان أكبر نسبة أصوات..
ولو كان هناك عتاب، فهو مركز على قادة الفصائل كونهم لم يأمروا أتباعهم حتى الآن بضرورة إبعاد السلاح عن ساحة الانتخاب، والاستجابة لنداءات السلطة المستميتة لضمان مرور العرس الفلسطيني دون عزاء أو نحيب، فالتجربة المصرية كافية تماما للتنبؤ بما يمكن أن يحدث، والاعتبار من دروسها، وإنه من الغباء أن يتم التساهل في هذه القضية بالذات، لأن أي طلقة رصاص في ذلك اليوم ستجر الشارع الفلسطيني – المتعب أصلاً-لدوامة من العنف لا يعلم مداها إلا الله..
وحتى لو انتهت عملية التصويت بسلام، تبقى المخاوف من فوز حماس بالانتخابات، والسيناريوهات المحتملة من فكرة إلغاء الانتخابات أو التشكيك في النتائج، أو الإقرار الرسمي بالنتائج على مضض والاقتتال والتناحر الداخلي، أو تفجر الانتفاضة الثالثة في وجه الكيان الصهيوني بشكل غير مدروس إذا مرت العملية بسلام، وذلك بسبب تبني حماس خيار المقاومة وحده.
إنه من الواجب توعية كافة أطياف الشعب بخطورة الوضع الراهن وذلك لأخذ كافة التدابير اللازمة للوقاية منه وتجنب الفتن والصراعات الداخلية لإبراز الوجه الحضاري لشعبنا وقدرته على حكم نفسه وإدارة مصالحه دون وصاية أو رقابة خارجية.