التفوق الإعلامي الصهيوني

كنت أستمع إلى حوار مفتوح في إذاعة الـ(بي بي سي) بالعربية بين أحد الصهاينة، وعدد من المواطنين العرب من جنسيات مختلفة، وكان الحوار يدور حول الجندي المختطف..ولست بصدد التطرق إلى قضية هذا الجندي الذي يسوقه الكيان الصهيوني إعلامياً وكأنه أحد الجنرالات، لأهداف لا تخفى على أحد، ولكني أودّ الإشارة إلى التفوق النوعي للكيان في مجال الإعلام.

فمثلاً بعد أن فتحت قناة الجزيرة -على سبيل المثال- الباب أمام الوجوه الصهيونية لتظهر على الملأ وتدافع عن عدوانها ووجودها غير الشرعي في فلسطين، ونحن نلحظ مهارة لا يمكن إنكارها لدى أغلب المستضافين من الصهاينة في مجال الإقناع وقلب الحقائق، والمؤسف حقاً أن قدرتهم على الإقناع باتت تشكك الكثيرين في قناعاتهم وثوابتهم القديمة والراسخة.

والأدهى من ذلك كله، أنك عندما تتمعن في ردودهم على الأسئلة الشائكة التي يحاول المذيع إحراجهم بها، تجد أنهم يدلون فوراً بأجوبة منطقية وهادئة للغاية، وكأنهم تدربوا على حفظها عن ظهر قلب، بينما على الطرف الآخر، تجد المسؤول العربي يحتد ويرغي ويزبد، ولكنه لا يجد في تلافيف وعيه من براهين مقنعة ما يدحض به أقوال ذلك المدعي، ربما لتدني مستواه الثقافي وفقر معلوماته التاريخية، أو عدم تدريبه المسبق على إجادة فن الحوار واصطياد ثغرات الطرف الآخر لمباغتته بها.

ولذلك، فإنني من أشد المعارضين لفكرة ظهور الصهاينة على الفضائيات العربية، لما يمثله ذلك أولاً من تطبيع فاضح، ولما له من آثار سلبية ثانياً على العوام من الجمهور العربي خاصة في ظل غياب المحاور العربي المتمكن، والذي يمكن أن يكون نداً لمثل هؤلاء، حتى لو تم اعتبار ذلك جبناً واستكانة من قبل البعض، فمن الواجب على المرء ما دام غير جاهز للعاصفة، أن يحني رأسه حتى يشتد عوده، ويكون جديراً بالمواجهة.

ولعل الكيان الصهيوني هو المستفيد الأوحد من هذا الظهور الإعلامي بالمجان لتسويق بروتوكلاته بشكل ديبلوماسي مقنع، فهو يعمل على تدريب أولئك المحاورين ويصرف ملايين الدولارات سنوياً في دورات فكرية تأهيلية وتدريبية حتى يكونوا على جاهزية تامة لأي حوار ساخن، مما يساهم على المدى البعيد في ترسيخ فكرة الوجود الصهيوني في المنطقة، وتشكيك المواطن العربي في حقوقه وإضعاف شوكة إيمانه بقضيته الكبرى.

وأكبر مثال على هذا التفوق الإعلامي هي قضية الجندي الأسير، حيث بادر الكيان الصهيوني مرة أخرى بقلب الحقائق على الرأي العام العربي والدولي من خلال منابر الفضائيات العربية، وذلك بالادعاء بأن الموقع العسكري المستهدف لم يكن على أرض محتلة، وإنما كان في حدود الدولة العبرية، وذلك لتمرير المسوّغات لمشروعه العدواني المبيت على الفلسطينيين، وهو ادّعاء خطير لم أجد عليه رداً شافياً وداحضاً من أي مسؤول عربي حتى هذه اللحظة.

وهناك مثال آخر يتمثل في التركيز على الأخبار التي تلمّع صورة الكيان الصهيوني دولياً، وهو مسألة المستوطنات غير الشرعية التي تقوم الحكومة الصهيونية بين الحين والآخر بإزالتها، وتسوّق ذلك عبر وسائل الإعلام العربية حتى يفهم الجمهور العربي ضمناً بأن هناك مستوطنات قانونية وشرعية، فأي مكر هذا الذي لدى هؤلاء؟!

وبالمناسبة، فعلى الرغم من عدم شرعية المستوطنات بالمطلق إلا أنه من الضروري التنبيه على أن تل أبيب نفسها تعتبر تاريخياً “مستوطنة”، وليس فقط التجمعات الصهيوينة داخل حدود 1967، فمن يجرؤ على قول ذلك في أي منبر إعلامي؟

وفي الختام أقول: نحن أمام عدو ماكر ليس بالسهل إطلاقاً، وهو يعمل على الانتصار في حربه الفكرية بعد أن هزمنا عسكرياً واقتصادياً، فهل آن الأوان لكي يقوم المثقف العربي بتولى مسؤولياته حيال قضيّته؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top