بقلم عمر سليمان
القصيدة خلجة من خلجات النفس …فهي عفوية تصدر بشكل مباشر من قلب الشاعر دون تصنع وهذا هو الشعر
ولكن الخلجة لا تأتي من الفراغ…أي أنها كانت بنتيجة عوامل متعددة أظهرتها على صورتها… من الشعراء من تقرأ قصائدهم فتشعر أنها ناتجة من نسج تجارب متعددة مرت بهم فتأثروا بها جميعا لذلك نراها منعكسة في قصائدهم وهذا غالب على شعري أبو تمام والمتنبي…
أما هنا …أرى العامل يمر بطيف شفيف فلا تشعر أنه السبب في ظهور القصيدة بل هي خلجة النفس التي كانت بنتيجة هذا الحدث أو الأحداث
القصيدة بعيدة عن اللهجة الخطابية المباشرة,وأعني بذلك أن الشاعر عندما أنب نفسه مثلا لم يعاتبها على تقصيرها وإنما ناجى القارئ في ذلك فتشعر وكأنه يهمس في هدوء …يعبر عن حال نفسه…دون أن يلتفت إنك تشعر ان الشاعر جالس بقربك يبوح لك بما ضج في نفسه بين مفضفض عن قلبه وشاك مافي نفسه…
وبالرغم من ذلك الهمس الذي نتحدث عنها نجد بعض المعاني والألفاظ التي تعبر عن الجزالة والفخامة …
هذه الألفاظ تجدها متناثرة في القصيدة وهي لا تشوش الجو العام لها بل ترفعه كما أنها تناسب كثيرا البحر المختار فلو كان البحر هو الخفيف مثلا لأدركنا ثقلها وعدم مناسبتها…
فما سبب تلك المعاني التي يحب الشاعر أن يطرحها دائما في قصائده تلك المعاني التي تحتاج إلى تأمل وتفكر وتحتوي على ألفظ جزلة وخفية…
أعتقد أولا أنها لم تأت نتيجة سبك مسبق متصنع…بل جاءت تلقائية وعفوية…
عندما تقرأ قصيدة يسودها جو واحد من بايتها وحتى نهايتها تشعر بشيء من الملل…فأنت لم يتغير عليك الإيقاع ولا طريقة التعبير ولا مستوى الألفاظ
أما إن كنت تقرأ لشاعر يبحر بك في بحر الشعر بهدوء وتؤدة ثم ترتطم موجة لتهز المركب…هذا يجعلك تتنبه وتتأمل وتفكر في المعنى الكامن بين السطور
هذه الموجة التي تفاجئك لاتكمن في بيت منفرد فحسب بل قد تراها في كلمة واحدة جاءت كموجة تلفت انتباهك أيما التفات فتعيد قراءة البيت كاملا لتكتشف معان جديدة
فمثلا :
وبَنُوا التُّرابِ تراهُمُ افترشوا المعابدَ في حماسٍ أو شرودْ..
كلمة شرود هنا جاءت مناسبة ومعبرة للغاية وتحمل بين حروفها معان متعددة إنها لاترسم الواقع رسما دقيقا فحسب بل تصور في خيالك صورة فنية له …
في المقطع الأخير من القصيدة معان كبيرة وتصوير بديع…شعرت فيه أنني ذاهب بعد الوضوء إلى صلاة الفجر ورياح الصباح تعبث في أنحاء المدينة الصاخبة…والنفس تحمل ألف دمعة وألف ابتسامة
عندما قرأتها تذكرت شعر أبي فراس في الروميات…لاسيما تلك القصيدة التي ناجى فيها الحمامة…ولاعجب الشعر اختلف…والاسم نفسه (أليس كذلك ياأبا فراس؟)
أتمنى أن تعرج على منتدى الشعر الفصيح دوما قبيل مرورك على المجلة أو باقي المنتديات لتبوح بشعرك أو ترشف من فنجان القصيد
واعذر قلمي ولكني أحب أن أتناول قصائدك بهذه الطريقة ربما لأنها الأقرب إلى نفسي…
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
تحياتي وتقديري