قمة تتلوها أخرى وفي كل مرة ننحدر بتنازلاتنا من رأس القمة إلى أسفل سافلين..
وجع حانق هذا الذي يعتريني كلما أرى تكالبنا نحن المستعربين على إرضاء سيد العالم المستعبد..
إن الناظر لمسلسل الأحداث السياسية والتصريحات المستفزة من قبل مسؤولين- يمثلوني ويمثلونك..ويتحدثون رغما عن أنفنا بالنيابة عنا- يوقن تماما بأن كل الأدوار تلعب بالكومبارس ولم يعد هناك أبطال ولا حتى بدلاء..
فالانتفاضة الفلسطينية بشهدائها وأسراها ومدنها المنكوبة واقتصادها المنهار أصبحت شيئا من التاريخ الآن، لأنه أضحى من العبث الحديث عن الماضي والذي فات قد مات والعقل المستغرب يدعونا لنبدأ صفحة تنازلية جديدة حتى يمكننا إحراز شيء من التقدم في عملية السقام.
إن المسخ الصهيوني يدرك تماما في هذه الفترة الحرجة أن توجيه الإعلام لإظهار بياض أسنان شارون يمثل مكسبا سياسيا واستيراتيجيا هاما، وقد بدأ الملاعين فعلا بذلك حين أفرجوا عن عميد الأسرى الفلسطينيين ليخطف فلاشلات التصوير واهتمام عدسات الكاميرات والإذاعات والصحف والمجلات لأنه العميد، ولأنه قضى أطول فترة في سجون الاحتلال، ولأن تكرار كلمة “افرج عنه” في هكذا حدث تضفي الكثير من الطمأنينة عند المتلقي تجاه حسن نية شارون.. تماما مثلما حدث عندما قام الصهاينة بأسر البرغوثي ليحجبوا الأضواء عن أكثر من أربعة آلاف أسير آخر تم أسرهم في نفس الفترة وترميز المأسورين كلهم في شخص واحد.
والإعلام العربي ساذج في هذا الأمر إلى أبعد حد..ففي نفس الوقت الذي يقتل فيه العشرات وتداهم المدن الفلسطينية يتم الحديث في وسائل الإعلام بشكل رئيسي وحسب الأولويات عن الإفراج الميمون عن عميد الأسرى، كبادرة حسن نية من المسخ الصهيوني.
ولكن بعيدا عن وضع إعلامنا البائس ما زلت مقتنعا بأن بنود خارطة الطريق ما زالت مبهمة وما زال مصير اللاجئين معلقا في تفسير المغزى الأمريكي من استخدامهم مصطلح “حل واقعي لمشكلة اللاجئين”، كما أن الواضح من خلال الخارطة البراقة وتصريحات شارون المستفزة وغير المستنكرة للأسف من قبل سلطتنا أن فلسطين 2005 المرتقبة ستكون بلا سلاح، وبلا قدس وبلا سيادة وبزعيمين أحدهما مهمش والآخر قابل للتهميش في أي وقت.
لقد حسبنت كثيرا وحوقلت كثيرا إلا أنني لم أشفِ غليلي ولم تهدأ نار حنقي، ولكن حتى نرى ماذا تحمل الأيام القادمات دعونا نستظل قليلا بإبداعات أقلاميينا في هذا العدد..فربما نجد في بريق حروفهم ما ينسينا أو يغرينا بالنسيان.