بقلم الناقد الدكتور عبد الخالق العف
– في عنوان القصيدة “لن نلتقي” يختزل الشاعر كل أحاسيس الشجن والأسى، وفقدان الأمل في الوصال.
“لن نلتقي” نتيجة سبقت كل المقدمات التي توالت دلالاتها وإيحاءاتها مع توالي تحولات دراما النص وجمالياته التشكيلية.
– من اللافت تكرار الفعل الناقص “لم تزل، ما زال” مع جناحي طير الهيام ومضة في العين ونبضة في القلب، وهو ترديد لفظي يشي بتواصل انثيالات الوجد وتعاقب متوايات الصبابة.
– ثم يأتي السؤال الأكثر إلحاحا وإيحاءً وشفافية “هل في الفضاء مساحة للهائمين”؟.
– ولعل تجانس التركيبين “نامي على جمر”، “الراقدين على الجمار” وترديد دال “الجمر” مع ما يحمل من إيقاع الصورة وترابط النغم..فإنه يدل على شدة الإحساس بالألم، والتوهج والحريق الانفعالي.
وشكوى لو أن الدمع لم يطف حرها
تولد منها بينهن حريقُ
– ويشارك شاعرنا مفردات الطبيعة الساكنة أحاسيسه بالتوحد والتفرد والحنين والأسى، ويجد ضالته في نواميس الكون التي تقضي بألا تلتقي النجوم السابحات في مدارات متوازية ولعل ذلك يستدعي قول شاعرنا القديم عن نجمي سهيل والثريا:
أيها المنكح الثرسا سهيلا
عمرك الله كيف يلتقيان؟
إنه الولوج في سراب المتناقضات، والفرار من قيود الشباك إلى أشواك الشراك..
إنه الخوف من المجهول واليأس المهيمن على معطيات أحلامه الكابوسية.
ثم يرسو الشاعر على المرفأ الآمن “القصيدة” رغم لهيبها المتوقد ووجيبها المتجدد ونسيجها الموتحد، ورغم اكتوائها بنار لوعة حرف المحبوب واشتعالها بلظى الجراح.
ورغم كل الألم الكامن في توحد الجرحين “هياما واشتياقا” واندماج الروحين “امتزاجا والتحاما”، فإن الشاعر لا يجد مفرا من اختيار هذه الحالة من العشق المراوغ الفتاك.
وليس يشفي لنفسي غليلها
سوى أن أرى الروحين تمتزجان
-ويناجي قلعة حبه التي يجوز في إطارها تناقض متوهم فيه انزياح بلاغي جميل “ابتسام الغضب”.
ويقرر شاعرنا حقيقة التوحد في مكان أكثر ألقا “نجمتان على السماء” وكنت أتمنى على الشاعر أن يستخدم “في” مكان “على” لاعتبارات معجمية ودلالية لا تخفى عليه..وإن كان مقادا في ذلك تقيدا بالوزن..
– ثم يقرر أنْ لا حق في اللمسات والبسمات والطلات التي تذيب في أتونها صلادة المشاعر وتأسر في قفصها الجميل العصفور العاشق، ويردد “لا حق لي” ليؤكد على مشاعر الإحباط والأسى المتلبسة ذاته الهائمة وليقدم لنا العنوان الداخلي الأكثر إيلاما، وهو ما خطه الدهر وقضى به قانون العشق “لن يلتقي قلبان”.
– عودٌ على بدء واستحضار جديد لدلالة عنوان النص..
إن الخطاب الرومانسي المكتنز بأبنية الدلالة وإشعاعات الإيحاء والمشهدية الدرامية الصارخة هي أهم ما يميز هذا النص الجميل للمبدع الشاب الصديق “سامر سكيك”، إضافة إلى صحة وزن التفعيلة المتناثرة على جسد النص بانتظام يوافق دفقات الشعور ويحكم تشكيله المكاني بنبض القلب وخلجات الروح ويخالف رتابة أوزان البحور.
– وإنها لعمري مستلزمات الشعر املعاصر، وتوافقات الحظة الحاضرة. فالاهتمام ينصب على الوجدان والمشاعر وكثافة الصور المشعة ودقة التراكيب الدالة، وإن فارقت ما ألفينا عليه آباءنا العظماء.
فالله عز وجل لم يتعبدنا ببحور الخليل رغم الفضل الذي ندين له به حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
-إنها سنة الله في التغيير والتجديد والتحول يجعل لنا من الثابت الأصيل جذورا ننطلق منها نحو الرحابة المعاصرة المنسجمة مع ذائقتنا العربية، وفي قوالب فنية جميلة تضمن تواصل المتلقين من المبدعين وبقاء ديوان العرب منارة للتائهين في لجة الحياة وثقل المادة وجفاف الروح.
– إننا إزاء مبدع شاب يشق طريقه بثقة وتمكن نحو عالم الإبداع الرحب ونتمنى له كل التوفيق والسداد.
05-03-2001