بحر المؤتلف

بحر المؤتلف
وزن آخر يضاف الى شقيقه  بحر السامر من وضع الشاعر سامر سكيك
دراسة بقلم : محمود مرعي / الجليل / فلسطين
رابط الوزن الأول : بحر السامر :

لا بد من كلمة قبل الدخول في الموضوع ، ونقول :

إن ما يقوم به الشاعر سامر سكيك ، هو تجريب وتوليد لأوزان جديدة ، له ثواب المجتهد عليها ، ويبقى الأمر متعلقا بمدى انتشار الأوزان ، وتعامل الشعراء معها ، ولكن رغم هذا يبقى لسامر أجر المجتهد في هذا المضمار ، وما زلنا إلى اليوم نقرأ الشواهد الشعرية التي قالها أصحابها ، ووصلتنا غير منسوبة إلى قائل بعينه ، ونستشهد بها في جوازات الشعر ، بحيث أصبحت تلك الأشعار شواهد وحججا لكل عروضي ، رغم رفض البعض اعتمادها ، وهذا حال البشر منذ كانوا ، فالاختلاف طبيعة فينا نحن البشر ، لكن الاختلاف متى احتكم الى العقل فإنه يولد الابداع ، ويساهم في ارتقاء الأمم ، ونحن هنا أمام عمل له صاحبه الذي ألفه وتعب في سبيل اخراجه لنا ثمرا شهيا .

نبدأ الآن بنقل القصيدة وبعدها نبحر فيها :

لغزَّةَ أشكو غربتي

شعر : سامر سكيك

حَبيبَةَ قَلْبِيَ يا تُرَى ******* أَظَلُّ طَريداً لِلنَّوى؟

أُمَنِّي نَفْسِيَ كاذِباً ********غَداً سَأَعودُ لِغَزَّتا

أَتوقُ وَكَمْ أَهْفُو إِلَى *** لِقاكِ وَلَسْتُ مُصابِرَا

تَحُجُّ إِلَيْكِ قَصائِدي ****** وَتُصْلينِي حَسَراتِها

وَأَعْلَمُ أنِّيَ لا أَفِي ****** هَواكِ الْحَقَّ وَلا الْوَفا

فَكونِي مُلْهِمَتِي الَّتِي **** رَهَنْتُ الشِّعْرَ لِوَصْفِها

فَأَنْتِ الشَّمْسُ مَليكَتِي *** وَعَنْكِ هَمَى أَبْهى ضِيَا

وَلَوْلا عِطْرُكِ فِي دَمِي ****** لَما أَمْطَرْتُ قَصائِدَا

لِغَزَّةَ أَشْكو غُرْبَتِي ********* عَسى يَتَدانَى رَدُّهَا!!!

وقفنا في الدراسة السابقة على الوزن ( مُتَفاعِلُنْ مُفاعَلَتُنْ ) ، ونلاحظ هنا أن القصيدة أراد الشاعر أن يأتي بمقلوب الوزن السابق ( مُفاعَلَتُنْ مُتَفاعِلُنْ ) ، وكما نرى فالقصيدة جاءت مرسلة بدون قافية موحدة ، رغم اعتماد الصدر والعجز ، والشعر المرسل غير شعر التفعيلة ، ويعود تاريخ ممارسته إلى القرن الرابع الهجري ، وقد وقفنا على نماذج منه ، والآن نقطع القصيدة عروضيا وبعدها نتحدث عن الوزن :

حَبيبَةَ قَلْبِيَ يا تُرَى

مُفاعَلُتُنْ / مُتَفاعِلُنْ
أَظَلُّ طَريداً لِلنَّوى؟

مُفاعَلُتُنْ / مُسْتَفْعِلُنْ
أُمَنِّي نَفْسِيَ كاذِباً

مَفاعيلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
غَداً سَأَعودُ لِغَزَّتا

مُفاعَلَتُنْ / مُتَفاعِلُنْ
أَتوقُ وَكَمْ أَهْفُو إِلَى

مُفاعَلَتُنْ / مُسْتَفْعِلُنْ
لِقاكِ وَلَسْتُ مُصابِرَا

مُفاعَلَتُنْ / مُتَفاعِلُنْ
تَحُجُّ إِلَيْكِ قَصائِدي

مُفاعَلَتُنْ / مُتَفاعِلُنْ
وَتُصْلينِي حَسَراتِها

مَفاعيلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
وَأَعْلَمُ أنِّيَ لا أَفِي

مُفاعَلَتُنْ / مُتَفاعِلُنْ
هَواكِ الْحَقَّ وَلا الْوَفا

مَفاعيلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
فَكونِي مُلْهِمَتِي الَّتِي

مَفاعيلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
رَهَنْتُ الشِّعْرَ لِوَصْفِها

مَفاعيلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
فَأَنْتِ الشَّمْسُ مَليكَتِي

مَفاعيلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
وَعَنْكِ هَمَى أَبْهى ضِيَا

مُفاعَلَتُنْ / مُسْتَفْعِلُنْ
وَلَوْلا عِطْرُكِ فِي دَمِي

مَفاعيلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
لَما أَمْطَرْتُ قَصائِدَا

مَفاعيلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
لِغَزَّةَ أَشْكو غُرْبَتِي

مُفاعَلَتُنْ / مُسْتَفْعِلُنْ
عَسى يَتَدانَى رَدُّهَا!!!

مُفاعَلَتُنْ / مُسْتَفْعِلُنْ
 

وقبل أن نشرع في تخريج الوزن ، سنلقي نظرة على تركيبته من حيث التفاعيل ، وما يعتريها من زحافات ، فتفعيلة ( مُفاعَلَتُنْ ) بالعصب تصبح ( مَفاعيلُنْ ) وتفعيلة ( مُتَفاعِلُنْ ) بالاضمار تصبح ( مُسْتَفْعِلُنْ ) ومجيء بيت معصوب مضمر في تفاعيله كافة ، يسوقنا إلى قضية توالي السواكن ، وهي هنا خمسة حروف متتالية ويحضرنا هنا قول حازم: { أقل ما يعد من السواكن ركنا ، الواحد ثم الاثنان ثم الثلاثة ثم الأربعة . وهي أقصى ما يوجد من اطراد السواكن في الأوزان }1 .

والمقصود بالسواكن هي سواكن الأسباب الخفيفة ، ولكن لدينا هنا خمسة ، أي بزيادة ساكن عما هو موجود ، وهذه السواكن التي يتحدث عنها حازم تكون غالبا في أواخر بعض الأوزان في أشكال معينة ، وتكون في حشو المنسرح : ( مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعولاتُ مُسْتَعِلُنْ ) والخفيف ( فاعلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فاعِلاتُنْ ) وهنا لدينا في حال العصب والاضمار : ( مَفاعيلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ ) وهذا أول المحاذير في الوزن ، والذي يجب تجنبه دوما ، وبالامكان إذا استعملنا المراقبة بصورة موسعة : { المراقبة في عروض المضارع والـمقـتضب ، أن يكون الجزء ( التفعيلة ) مرة  ” مَفاعيلُ ”  ومرة  ” مَفاعِلُنْ ” – الليث : المراقبة في آخر الشعر عند التجزئة بين حرفين ، وهو أن يسقط أحدهما ويثبت الآخر ، ولا يسقطان معا ولا يثبتان جميعا . وهو في  ” مَفاعيلُنْ ” التي للمضارع لا يجوز أن يتم إنما هو ” مَفاعيلُ أو مَفاعِلُنْ ” } 2 .

ولننظر الى السواكن :

أُمَنِّي نَفْسِيَ كاذِباً

مَفاعيلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
وسنسكن الياء من ( نَفْسِي ) :
أُمَنِّي نَفْسِيْ كاذِباً

مَفاعيلُنْ / مُسْتَفْعِلُنْ

والمراقبة : ” بين الحرفين ، أن لا يجوز سقوطهما ولا ثبوتهما معا ” 3

ويمكننا هنا أن نوسع دلالة المصطلح المراقبة باسقاطه على التفعيلتين ، ليس من جهة اسقاط الحروف ، وإنما من جهة التسكين ، فإن عصبت ( مُفاعَلَتُنْ = مَفاعيلُنْ ) سلمت ( مُتَفاعِلُنْ ) من الاضمار ، ونفس الأمر لا تأتيان صحيحتين ، ولا بأس من استعمال زحاف ” النقص ” في ( مُفاعَلَتُنْ ) وهو زحاف مزدوج ،        ” تسكين الخامس المتحرك وحذف السابع الساكن ” فتبقى التفعيلة ( مُفاعَلْتُ = مَفاعيلُ ) ، وهنا يجب متى دخل النقص على ( مُفاعَلَتُنْ ) أن يدخل الاضمار على ( مُتفاعِلُنْ ) وذلك بسبب ثقل تتالي ثلاثة متحركات ، ويخضع الأمر للمعاقبة أيضا هنا ، ولا بأس إن جاءت بعض الشطور أو الأبيات صحيحة التفاعيل ، فالكامل يمكن أن يشتمل على بيت أو أكثر من الرجز في ثناياه ، في حال اضمار تفاعيله ، ومجزوء الوافر أيضا يمكن أن يشتمل على أبيات من الهزج في ثناياه في حال عصب تفاعيله ، ولا ينكر هذا أي شخص ، لكن يجب أن يأتي بيت وقد اعترى العصب أو الاضمار تفاعيله ، أو النقص والاضمار ،  وهذا بسبب دخول الوزن في دائرة المتقارب في حال جاءت تفاعيله صحيحة ، كما سنرى ، ونأخذ مثالا من القصيدة :

غَداً سَأَعودُ لِغَزَّتا

مُفاعَلَتُنْ / مُتَفاعِلُنْ

ونقرأ التقطيع قراءة مغايرة :

غَداً سَأَعودُ لِغَزَّتا

مُفاعَلَتُنْ / مُتَفاعِلُنْ

فَعولُ فَعولُ فَعولُ فَعْ
وهذا شطر المتقارب قبضت تفاعيله الثلاث الأولى ودخل البتر على الرابعة ، فإذا جاءت القصيدة صحيحة التفاعيل ، أمكن ردها إلى المتقارب بسهولة ، وتكون من المتقارب ، أبتر العروض والضرب ، اضافة إلى أمر آخر يمكن الوقوف عليه هنا في حال صحة التفاعيل ، ألا وهو تجاور الفاصلتين الصغريين بصورة دائمة ولا يوجد هذا في الشعر الموزون : ( مُفاعَلَتُنْ / مُتَفاعِلُنْ ) وهذا الأمر يساعد على قراءة التفاعيل على المتقارب وليس اعتبارها وزنا جديدا .

هناك أمر آخر وهو أن الوزن يبدأ بِوَتِدٍ مجموع ( مُفا ) وينتهي أيضا بِوَتِدٍ مجموع آخر ( عِلُنْ ) وهذه الصفة غير موجودة في بحور الشعر المتداولة إلا في المتقارب في بعض أشكاله ، وما وجدناه في مجمع الأمثال ، ولا نعدم وجود غيره :

صَرَرْنا حُبَّ لَيْلى فَانْتَثَرْ 4

مَفاعيلُنْ / مَفاعيلُنْ / فَعو

لاحظ أنه بدأ بِوَتِدٍ مجموع وانتهى بِوَتِدٍ مجموع أيضا ، والوتد الذي نعنيه هو هذا الوتد السيد ، وليس الوتد المجازي الذي ينتج من خلال خبن ( مُسْتَفْعِلُنْ = مُتَفْ عِلُنْ ) .

والوزن هنا كما هو واضح يشتمل على وَتِدَيْنِ متطرفين ( مُفا /عِلُنْ ) وفاصلتين في حشوه ( عَلَتُنْ / مُتَفا ).

أمر آخر : إذا نظرنا إلى تفاعيل الوزن نجدها تخرج من الدائرة الثانية ، دائرة المؤتلف والتي يخرج منها الوافر والكامل ، و ( مُفاعَلَتُنْ ) في الوافر ، و ( مُتَفاعِلُنْ ) في الكامل ، وإذا بدأت القراءة من بداية الفاصلة في     ( مُفاعَلَتُنْ ) أي ( عَلَتُنْ مُفا = مُتَفاعِلُنْ ) ، وإذا بدأت القراءة من أول الوَتِدِ المجموع في ( مُتَفاعِلُنْ ) أي      ( عِلُنْ مُتَفا = مُفاعَلَتُنْ ) ، ولهذا كله نقترح تسمية الوزن باسم الدائرة التي تشتمل على تفاعيله ، المؤتلف .

أما الآن وبعد أن ذكرنا المحاذير في الوزن واستعماله ، يبقى الأمر متعلقا باقبال الشعراء واستعمالهم للوزن وهذا ما سيؤكد نجاحه أو فشله ، ولا يسعنا إلا أن نتمنى للزميل سامر التوفيق والنجاح .

ـــــــــــ
هوامش :

1 ـ انظر : حازم القرطاجني / منهاج البلغاء وسراج الأدباء .ص 254
2 ـ انظر : اللسان : مادة ـ رقب .

3 ـ انظر : الخطيب التبريزي / الكافي في العروض والقوافي . ص 145 .

4 ـ انظر : الميداني / مجمع الأمثال / ج 1 . ص  511 .

1 فكرة عن “بحر المؤتلف”

  1. تعقيب
    الوزن الذي يشبه الرياضيات ، ويعجز الشياب قبل الشباب ، في زماننا هذا ، لااضن انه يلقى اهتماما من طرف الشعراء الذين تغلب عليهم الموهبة ولا يلقون بالا للدراسة ، والسؤال المطروح على المؤلف الاخ سامر سكيك هو كما ياي : ماذا فعلت بالتفعيلات الثمانية وماذا فعلت بجملة ( لمعت سيوفنا ) وما التفعيلة الجديدة التي اخترعتها ايها الشاعر العزيز ؟واسمح لي اذا كنت اهرف بما لااعرف وشكرا .
    الاديب/ بوخاتم حمداني

    [Reply]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top