تعج الأخبار هذه الأيام بالحديث عن استحقاقات الانسحاب من غزة، والصراع الخفي على السلطة في القطاع، والنكبة الصهيونية المعلنة بسبب الانسحاب..ويكثر الحديث عن لقاءات وترتيبات مع أطراف محلية ودولية من أجل إنجاح عملية الإجلاء دون مشاكل..
وإذ أني واحد من المكترثين لهذا الأمر كون صفة “الغزي” تزين هامتي، إلا أن ثمة تخوفات تعصف بكل أشباح السعادة داخلي..فليس بالأمر العادي أن تتوقع أن يأتي يوم ما ينعم المرء ببقعة في فلسطين خالية من دنس
الدانسين..
فعلى الرغم من أن الانسحاب القادم يتيح الفرصة لسكان القطاع لتضميد جراحاتهم وإعادة تنظيم مؤسساتهم وحياتهم، تبقى في الأفق غيوم داكنة السواد..
فما أراه من سيناريوهات متوقعة قادمة، يخيفني إلى حد بعيد، وإليك عزيزي القارئ أنقل تخوفاتي فربما تتهكم عليها وربما تتهكم هي علينا معا في المستقبل..
لقد نجح الكيان الصهيوني مليون مرة في تنفيذ خططه الرامية لشرذمة العرب، وما يثير الحنق هنا أن هذه الخطط باتت مكشوفة للجميع، بيد أنك لا تجد أحدا يمكن أن يجيبك: لماذا انطلت علينا وسلمنا بالأمر الواقع..
وها هو ذا يحاول من جديد أن يزرع بذور فتنة في فناءين:
الأول: هو الإرث الذي سيترك في غزة..والدور المستقبلي لعملاء الكيان في إضعاف الوحدة الوطنية وتأجيج نار الفتنة والانفلات الأمني وذلك من خلال فرقعة العبوات الناسفة هنا وهناك والتي بدأ موسم الحصاد بها بالفعل..وإثارة الإشاعات بأن فصيلا ما يترصد لآخر خوفا على السلطة..
والثاني: هو سياسة فرق تسد التي يتبعها الكيان دائما والتي يرمي من خلالها إلى توسيع الهوة القائمة بين الضفة والقطاع، وإثارة أحقاد الضفة -التي ستظل ترزح تحت الاحتلال- على القطاع الذي سينشغل كثيرا ببناء مؤسساته عن المناداة بالمقاومة ومساندة الضفة..
ولا يغرنك ما يشاع عن خسائر صهيونية جراء الانسحاب ومكاسب فلسطينية، فالكيان هو الكاسب الأول والأخير..فها هو تخلص من عقدة الغزيين من جهة، وبيض صورته الداكنة أمام الرأي العام العالمي، واستنفذ حزينة العم سام لتمويل انسحابه، ونجح في بذر الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، ووضع جل تركيزه في ابتلاع ما تبقى من الضفة والقدس، وتكريس سيطرته عليها..
إننا بحاجة ماسة من جديد أن نعي خطورة العدو الذي نواجه، والمستقبل الغامض المحفوف بالأخطار، والذي يتطلب من صناع القرار خطوات سريعة وحاسمة لضمان الحق الفلسطيني..
وأختم حديثي هذا بالتهنئة الحارة لكافة الأقلاميين في كل مكان على إطلاع الحلة الجديدة من أقلام شكلا ومضمونا بعد توقف طويل، وأتعهد باستمرارية أقلام ما دام في العرق نبض بإذن الله تعالى، وأتوجه بالدعوة لكل المثقفين على اختلاف أيدولوجياتهم بالتواصل مع أقلام وطرح إبداعهم على صفحاتها..