العدوان وشرعية الرد

كنت أتابع بقلق بالغ تداعيات العدوان الصهيوني على أهلنا في فلسطين، وانعكاسات هذا العدوان على رسوخ معتقدات وثوابت المرابطين هناك على المدى الطويل، حيث كان من الجلي أن العدو كان يهدف من وراء هذا الإرهاب برا وبحرا وجوا إلى إضعاف شوكة الإيمان لدى العوام، وإجبارهم على الانقلاب على أجنحة المقاومة المختلفة.

إن الاتفاق على التهدئة لا يعني بأي حال من الأحوال تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم، وإنما هي مرحلة مؤقتة يهدف من خلالها صناع القرار في فلسطين إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، ولكن هذا لا يعني أن تكون التهدئة هي الخيار الوحيد المطروح في ظل سياسة الاغتيالات والاعتقالات الممارسة دون توقف.

لقد تدنت كثيرا نسبة تأييد العوام لعمليات المقاومة التي تأتي في إطار الرد على خروقات الاحتلال، ذلك لما تجلبه من ويلات وخراب وترويع للسكان الآمنين، بالإضافة إلى ندرة وقوع خسائر مادية تذكر في صفوف العدو من جراء عمليات المقاومة، وقد غفلوا عن الآية التي تحمل البشرى حتى يأتي أمر الله إذ يقول جل شأنه:

 }  وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155}الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ

هُمُ الْمُهْتَدُونَ{ البقرة

لذا ينبغي على المرابطين في فلسطين أن يدركوا تماما أن هذا الأمر مقدر من الله عز وجل، وأن صبرهم على ما ابتلوا فيه هو الإيمان بعينه، ولقد جاء القرآن الكريم حافلا بكثير من الآيات التي تعبر عن واقع الحال، والتي يجب أن تكون حاضرة دائما في أذهان الناس. ففي الصبر على الأذى والمكاره والعدوان يقول تعالى:

} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 200{ آل عمران

وفي الخطوط العريضة لأي عملية تهدئة أو هدنة يقول تعالى:

{فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ {191} فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {192} وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ {193} الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ

الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{ البقرة

وهذا الأمر الرباني لا مردَّ له، ولا ناسخ يشرع سواه، فكيف تنصرف عيوننا عن هذا الكتاب، ونتعامل مع الأمر بشكل مادي بحت دون أدنى تفكر، ونخشى على أموالنا وأولادنا وأرواحنا في دنيا زائلة، ولا نؤمن بوعد الله لمن صبر وصابر ورابط، وبالتالي نحشر والعياذ بالله في زمرة المنافقين الذين نقل الله ما يرددونه:

}وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا{ الأحزاب وهذا التكذيب والافتراء وسوء الظن بالله من قبل المنافقين ليس له إلا جزاءا واحدا والعياذ بالله، إذ يقول جل شأنه:

} وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا {الفتحولكن يبدو أن الإيمان قد ضعف في قلوبنا نحن المسلمين، واستشرى بدلا منه حب الدنيا وزينتها، ولست أسرد هذه الحقائق من باب التنظير وإنما من أجل التذكير بخطورة ما تتعرض له الثوابت والمعتقدات لدينا من قبل أمكر خلق الله..

ولعل مما يثير الإزعاج أيضا أن تسمع أحدهم يقول:

“إننا نتفق مع حقنا في الرد على العدوان، ولكن بطريقة مقننة للغاية، فأي عدوان غاشم على الضفة الغربية، يجب أن يقابل برد من المقاومة المتواجدة في الضفة الغربية فقط، وأنه يتعين على رجال المقاومة في قطاع غزة أن يلتزموا الصمت، ويشرعوا في الاندماج بعمليات التعمير والعمل السياسي دون العسكري”.

إن هذا المنطق أعوج وليس من روح الإسلام، فكيف يئن عضو في جسد فلسطين يرزح تحت العدوان ولا يتداعى له سائر الأعضاء في كل مكان، وكيف نسمح للعدو بتطبيق سياسته المعلنة “فرق تسد” ونحن على وعي تام بما يخطط له؟ وحتى لو كانت عمليات إطلاق الصواريخ غير مجدية من الناحية المادية، فإنها فعالة للغاية من الناخية المعنوية، وما تبثه من رعب وفزع في قلوب الغاصبين، وهذا أفضل ما تملكه المقاومة من عدة، والتي توقن تماما بقوله تعالى:

}وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ 60{ الأنفال

إن الهزيمة لا يمكن أن تلحق بالصهاينة إلا بالصبر والرباط واحتساب ذلك عند الله تعالى، والرد على كل خرق لأي هدنة أو تهدئة يتم الإجماع عليها، فالفلسطيني اعتاد إذا ضرب على خده الإيمن، أسند خده الأيسر إلى كعب بندقيته ليرد الصاع صاعين..

ويكفي الفلسطيني شرفا أنه أعز من في الأمة بدفاعه عن ثوابته ومقدساته، وأشرف من في البشر باستبساله وذوده عن أعراضه، فهل هناك في هذا العالم الردئ أرض محتلة  بخلاف فلسطين إلا وذووها نيام عن أي مقاومة ترد كرامتهم المسلوبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top