لقد أكدت حرب غزة أن هناك أزمة حقيقية في فهم جوهر القضية الفلسطينية وعلاقتها بالعقيدة السوية، فقد آلمني كثيرا مواقف العديد من المثقفين الذين يحملون المقاومة مسؤولية أحداث غزة بسبب تعنت مواقفها السياسية، ومع أني لا أميل لأي تيار فلسطيني، ولست بصدد الدفاع عن حماس والجهاد وغيرها، إلا أننا يجب أن نقف عند هذا الأمر ونفكر كثيرا كثيرا..فقد أصبح الإسلام على ما يبدو فارغا من ضمونه بشكل مخيف في ضمير الأمة، وبات رفض الذل والمهانة انتحارا وسوء تصرف في نظر العوام والمثقفين إلا من رحم ربي.
الحرب على غزة لم تبدأ قبل أيام كما تروج كل أجهزة الإعلام العربية والدولية، وإنما قبل ذلك وتحديدا عندما تم أسر الجندي الصهيوني وما رافق ذلك من عدوان سافر من العدو الصهيوني، وتبع ذلك فرض الحصار على القطاع شكل مطبق ووحشي، وباتت غزة جديرة بالدخول في موسوعة جينس كأكبر سجن في العالم. ولم تكن الأنظار مركزة على الوضع هناك، خصوصا أن سقوط الضحايا كان تدريجيا وعلى مراحل أطول من مرضى فاق عددهم الثلاثمائة واستشهدوا نتيجة الحصار، فضلا عن عشرات الشهداء الذين قضوا في ظروف مختلفة ومئات الجرحى.
وما كان من موقف أخير للمقاومة بعدم تجديد التهدئة غير المجدية أصلا، فإنه نتيجة طبيعية وحتمية لاستمرار الحصار المذل والمهين والذي مرغ ناصية الأمة كلها في التراب، والذي لم ينته مطلقا مع إعلان التهدئة التي جربها الفلسطينيون كحل وسط ولم تؤت أكلها..
إن من يراهن على سقوط المقاومة في هذه المعركة الطويلة أكثر من أحمق وجاهل بطبيعة المجتمع الفلسطيني العتيد ، وأكثر ما يدلل على ذلك الانتفاضات المتلاحقة الرافضة لكل أشكال الخنوع والتسليم بالوضع القائم في المنطقة رغم الخسائر الباهظة التي يتكبدها الفلسطينيون جراء هذه المواجهات الاستنزافية.
وفي ضوء ذلك، فإن السيناريو المحتمل لإنهاء هذه الحرب كما أرى، ليس بوقف العدوان الصهيوني وإطلاق الصواريخ الفلسطينية بهدنة مكتوبة، وإنما هدنة متبادلة مكتوبة ومقرونة بفك الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة مع إرسال مراقبين دوليين للقطاع، لمراقبة أي خرق للهدنة بشروط معينة، وعودة اللحمة الفلسطينية بشكل هزيل -على الأقل في المرحلة الأولية لما بعد الحرب- لإدارة المعابر المختلفة.
ولا أظنه من الحكمة مطلقا أن ترفض المقاومة وجود المراقبين الدوليين، والذين لا يتم اعتبارهم قوة احتلال، طالما أنها لن يخول لها استخدام القوة لمنع أي شكل من أشكال المقاومة والاكتفاء بالمراقبة فقط، وهو حل جيد ما دام سيضمن إنهاء الحصار بشكل كلي، وتهيئة السبل في وقت لاحق لتبادل الأسرى مثلما حدث في حرب لبنان الأخيرة.
أما على صعيد بعض الأنظمة السوداء، التي أصحبت أكثر وقاحة من أي وقت مضى بالتصريحات النارية المساندة للفكر الصهيوني وأجندته الإعلامية والتي تسيء للقضية الفلسطينية وتحمل المقاومة المسؤولية الكاملة عن التصعيد، فلم يعد يجدي الحديث عن حلول لها إلا باقتلاع جذورها وهو أمر بعيد المنال في ظل حالة الجبن والانهزامية وضعف الإيمان المسيطرة على الشعوب الإسلامية كافة.
وكيف يمكن التعويل على تلك الأنظمة إن كانت حزب الله وإيران ذات القوة الوحيدة الضاربة في المنطقة لم تحرك سوى ألسنتها رغم إمكانياتها الهائلة وتشدقها باسم الدين والمسلمين والتي يمكن أن تحدث تغييرا هائلا في المعادلة..فأين أنتم من نصرة غزة بشكل فاعل كما تدعون؟
فلنركز إذن على المقاومة وحدها والتي تملك النصر بيدها فقط، والتي لا يمكن نصرها ودعم صمودها إلا بالدعاء والصبر والصلاة والعودة إلى الله عز وجل وممارسة شتى أشكال الدعم الشعبي ماديا ومعنويا من خلال الحملات المختلفة والتي بدأت أقلام إحداها قبل أيام.
مقالات فكرية بتجنن
[Reply]